السؤال: في بعض الأحيان يكون لدى الشخص ميل إلى بعض الأعمال، ويحس أنه يفعل بعض تلك الأشياء لمجرد الميلان القلبي، والإحساس بالتأثر القلبي، فهل هذا من الصفات الباطلة؟ وهل له تأثير بالعقيدة؟
الجواب: إن مجرد الميل القلبي ليس هو العبرة، بل لا ينبغي للمؤمن أن يكون الدافع له لكي يُرجّح قولاً على قول، أو عملاً على عمل هو الرغبة أو الميل النفسي؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: ((
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65] أي: التسليم المطلق، بحيث لا ينبغي لأي شخص آخر إلا الموافقة والمطابقة لما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ))[الأحزاب:36]، فلا اختيار إلا ما اختاره الله ورسوله، ولذلك قال العلماء حتى ما جاء في القرآن من الحدود والأحكام، وحتى ما كان ظاهرة التخيير فإنه تخيير مصلحة لا تخيير شهوة: ((
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [المائدة:33].
يقول العلماء: هذا التخيير تخيير مصلحة وليس تخيير شهوة، كأن يقول أحد: ما دام هذا من قرابتي وبيني وبينه محبة فإذاً أنفيه ولا أقتله، أو إن كان ليس بيني وبينه محبة ولا قرابة فأصلبه، فلابد أن ينظر إلى المصلحة العامة، وهذه الآية فيها كلام طويل للفقهاء.
إذاً: ينبغي للمؤمن أن يكون هدفه وقلبه تابعاً لما جاء به رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا معنى أشهد أن محمداً رسول الله، وهو معنى الحديث على ما في سنده: {
لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} فلا يكون هواه هو قائده، ((
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)) [الجاثية:23] هذا حال من حال الكفار، أما المؤمن فإنه يتخذ ما جاء عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائداً ودليلاً له.
أما إذا كان في الأمر تخيير من الله للعبد، في بعض القضايا التشريعية التي يكون التخيير فيها فضلاً من الله تبارك وتعالى ورحمة بعباده، فإن اختار الأيسر فقد شابه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فعله، كما صح في الحديث {
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً }.
فمثلاً: أن تحرم بأي نوع من أنواع النسك الثلاثة، أو أن توتر بأي نوع من أنواع الكيفيات الثابتة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أن تقرأ بأي نوع من القراءات الثابتة فليس فيها حرج، فهنا يكون للنفس ورغبتها اعتبار، أما في غير ذلك فكما تقدم.